شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
78828 مشاهدة
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

بسم الله الرحمن الرحيم
باب: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وقول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ .
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل .
ولهما من حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال موسى -عليه السلام- يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله رواه ابن حبان والحاكم وصححه وللترمذي وحسنه .
عن أنس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .


في هذا الباب ذكر فضائل التوحيد، ذكر فيه آية وأربعة أحاديث، الآية فيها فضيلتان من فضائل التوحيد: الأمن والاهتداء والحديث الأول فيه فضيلة وهو دخول الجنة لأهل التوحيد على ما كان من عمل، والحديث الثاني فيه فضيلة وهو: تحريمه على النار، والحديث الثالث فيه فضيلة وهو: كونه يرجح بالأعمال؛ بل يرجح بالسماوات والأرض، والحديث الرابع فيه فضيلة وهو: كونه يكفر الذنوب.
(فضل التوحيد) يعني: فوائده وما يحصل لأهله الذين يحققونه، ما يحصل لهم من الفضل، والمراد هاهنا الذين وحدوا الله تعالى توحيدا كاملا، وأخلصوا له العبادة، ولم يلتفتوا بقلوبهم وأعمالهم إلى غيره؛ فإنهم أهل التوحيد الذين يحصلون على هذه الفوائد، فالآية في سورة الأنعام قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ لما نزلت وفيها وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ خاف الصحابة وقالوا: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال: إنما ذلكم الشرك ؛ لقول الله تعالى: يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
يعني أن الإيمان هاهنا هو: الإيمان التام، الذي لا يكون فيه لبس بشرك، وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ يعني ما خلطوه بشرك؛ بل توحيد خالص، وتوحيد صادق، ليس فيه ما يخالطه، هذا هو معنى هذه الآية لم يخلطوه بشرك.
والظلم قد يطلق على ظلم النفس، في حديث أبي بكر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني مع أن أبا بكر -رضي الله عنه- من خيرة الصحابة؛ ومع ذلك أمره بأن يعترف: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، فليس منا إلا من قصر في حق نفسه، وقصر في حق ربه، وغفل وسها؛ ولكن الظلم في هذه الآية وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ؛ هو: الشرك والكفر .
قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ يقول بعض المفسرين: الحمد لله الذي قال: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ لم يقل والظالمون هم الكافرون، فإذا حصل الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص الذي لم يخلط بشرك؛ لا بشرك صغير، ولا بشرك كبير؛ فإنه يحمل في الحقيقة على الإحسان، وعلى الأعمال الصالحة، ويكون صاحبه من الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، فيكون على هذا مستحقا للأمن وللاهتداء، فتحصل له فائدتان من فوائد هذا التوحيد الأمن والاهتداء.
ولا شك أن الإيمان أهله يتفاوتون، وكذلك التوحيد، فكذلك أيضا الأمن والاهتداء يتفاوت قدرها؛ فمن الناس من يكون آمنا أمنا مطلقا، آمنا من الخوف في الآخرة، آمنا من عذاب القبر، آمنا من عذاب الفزع الأكبر في الآخرة، آمنا من سوء الخاتمة، آمنا من مغبة الكفر ونحوه، آمنا من عذاب النار، ومن دخولها، ومن رؤيتها، أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ؛ هذا له الأمن التام، وكذلك أيضا يكون من المهتدين؛ مهتديا في دنياه، مهتديا في دينه، مهتديا في عقله، ومهتديا في أعماله، يكون على سبيل الهدى، لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الأمن التام والاهتداء التام.
وأما إذا كان معه شيء من المعاصي فقد يكون له مطلق الأمن لا جميع الأمن؛ وذلك لأن العصاة قد يعتريهم فزع، قد يعتريهم شيء من الخوف، ولكن الأمن التام أي الأمن لهم مطلق الأمن، يعني أنهم وإن دخلوا النار فإنهم آمنون من الخلود، قد يدخلها بعضهم ولكن لهم الأمن أنهم يُخرجون منها، ألا يخلدوا فيها، فمآلهم إلى دخول الجنة، هذا هو الأمن، الأمن يعني ينقسم إلى: أمن مطلق، وأمن مقيد، الأمن المطلق هو: الأمن التام من دخولها ومن الخلود فيها، والأمن المقيد هو: الأمن من الخلود وإن دخلها، تجدون هذا موضحا في فتح المجيد وغيره.